عام على معركة حلب.. مدينة مدمرة تلملم جراحها

Read this story in English W460

في حي الكلاسة في شرق مدينة حلب عادت زحمة السير إلى شوارع انتشرت فيها عربات بيع الخضار، لكن الدمار المتفشي من كل حدب وصوب يبقى شاهداً على معركة غيّرت مسار النزاع في سوريا نهاية العام الماضي.

ينظر خيرو مسلماني وهو سائق سيارة أجرة سابق، حوله في الحي الذي كانت تسيطر عليه الفصائل المعارضة ويقول "اليوم هناك الكثير من الناس (...) انهم يعودون". 

وعلى بعد عشرات الكيلومترات من هنا، في محافظة ادلب (شمال غرب) المجاورة، يتحسر آخرون من مدنيين ومقاتلين معارضين على مدينة تم إجلاؤهم منها قبل أن يسيطر الجيش السوري عليها.

طوال أربع سنوات، بقيت مدينة حلب مقسمة بين أحياء شرقية تسيطر عليها الفصائل المعارضة وأخرى غربية تحت سيطرة القوات الحكومية. 

وشكلت طوال هذه الفترة مسرحاً لمعارك عنيفة تسببت بمقتل الاف المدنيين وبدمار هائل في الابنية والبنى التحتية في الأحياء الشرقية التي تعرضت لقصف جوي سوري وروسي كثيف.

واثر عملية عسكرية لقوات النظام أحكمت خلالها حصار الأحياء الشرقية، بدأت في 15 كانون الأول/ديسمبر اولى عمليات اجلاء المدنيين والمقاتلين المعارضين من هذا الجزء.

استمرت عملية الاجلاء أسبوعاً كاملاً. وبعد دقائق على خروج آخر حافلات المغادرين إلى مناطق سيطرة الفصائل المعارضة خارج المدينة، أعلن الجيش السوري في 22 كانون الاول/ديسمبر استعادة حلب بالكامل.

وسجلت قوات النظام السوري بذلك أبرز انتصاراتها منذ بدء النزاع في البلاد في اذار/مارس 2011، فيما شكلت خسارة شرق حلب أكبر انتكاسات الفصائل المعارضة.

ومنذ ذلك الحين، حققت قوات النظام انجازات ميدانية متلاحقة بدعم من مقاتلين ايرانيين ولبنانيين وعراقيين وبغطاء جوي روسي، وسيطرت على مناطق واسعة ان كان في مواجهة الفصائل المعارضة أو تنظيم الدولة الإسلامية.

- "أمن وطمأنينة" -بعد مضي عام على انتهاء معركة حلب، تعود الحياة وإن ببطء إلى الأحياء الشرقية، بعد إصلاحات أجريت على شبكات المياه والكهرباء، وإزالة جبال الركام من شوارع عديدة فيها واعادة تزفيتها.

وعاد إلى الأحياء الشرقية، وفق تقديرات غير رسمية، نحو 500 ألف شخص. 

وكان عدد سكان المدينة 2,5 مليون قبل النزاع، لكنه تراجع الى نحو 1,5 مليون نسمة، كان 250 الفاً منهم محاصرين في شرق حلب حتى قبل بدء هجوم قوات النظام.

ونزح أكثر من نصف المحاصرين جراء المعارك الى الأحياء الغربية، وتم إجلاء عشرات آلاف الآخرين لاحقاً.

غادر خيرو مسلماني (67 عاماً) منزله اثر سيطرة الفصائل المعارضة على شرق حلب في صيف العام 2012، وانتقل إلى مدينة طرطوس الساحلية ليعيش في خيمة مع عائلته. 

لم ينتظر مسلماني كثيراً، وبعد أيام على سيطرة الجيش السوري على كامل حلب، عاد خيرو في الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير إلى مدينته ليجد جدران منزله وقد سُويت بالأرض. 

استخدم خيرو الخرداوات وأجهزة مكسرة لينشئ غرفة صغيرة يشوي فيها اللحم ويسترزق منها.

ويُعرب اليوم عن سعادته بعودة الحركة من حوله، ويقول "حين عدنا في بداية 2017، كنا نحلم أن نرى رجلاً في الحارة (...) اليوم هناك سيارات تدخل وتخرج. الحمد الله هناك أمن وطمأنينة".

وبرغم ذلك، لا تزال معالم الدمار بادية على الأحياء الشرقية من شوارع خالية تماماً واخرى انتشرت على جانبيها المباني المدمرة بالكامل أو تلك التي تضررت جدرانها أو انهارت أسقفها.

وفي أحد أزقة شرق حلب، يعمل شبان على إغلاق فجوة في حائط أحد المنازل، وآخرون يضعون الألواح البلاستيكية لتكون بديلاً عن سقف مدمر.

في حي الصالحين في حلب، يتذكر صلاح مغاير "في زمن المسلحين، شعرنا بالجوع والحصار والظلم".

كان صلاح، العامل في احدى الحمامات الشامية التقليدية، في عداد المواطنين الذين جرى اجلاءهم من الأحياء الشرقية، وعاد إليها مسرعاً بعد أيام على سيطرة الجيش السوري عليها. 

رمم صلاح منزله ويعمل اليوم حمالاً. ويقول "الحمام دُمر، سأعود اليه بعد ترميمه".

ويقول الخبير في الجغرافية السورية فابريس بالانش لوكالة فرانس برس "سيكون احياء الاقتصاد صعبا" خصوصاً بعد النهب الذي تعرضت له المنطقة الصناعية في حلب وفرار رجال الاعمال الى خارج البلاد.

ويتواجد هؤلاء حالياً، وفق بالانش، في غازي عنتاب في تركيا "حيث بنوا مصانعهم وأتوا بعمالهم القدامى، ولا يفكرون بالعودة إلى سوريا".

لم تسلم المدينة القديمة الاثرية في حلب من المعارك جراء موقعها على خط تماس سابق. وحل الدمار على بواباتها القديمة واسواقها وخاناتها.

- "وداعاً لكل حجر" -رغم استعادة السيطرة على كامل المدينة، إلا أن الانقسام بين سكانها لا يزال جلياً.

وفي وقت تحولت أبنية الاحياء الشرقية الى جبال من الركام، حملت أبنية الاحياء الغربية آثار دمار جزئي وأضرار جراء القذائف التي اعتادت الفصائل المعارضة اطلاقها.

لا يرغب سكان تم إجلاؤهم من شرق حلب بالعودة أو ليس بمقدورهم ذلك، ويتحدث بعضهم عن اعتقالات من قبل الأجهزة الأمنية بحق أشخاص تجرأوا على العودة.

ويقول محمد لؤي (22 عاماً) الذي يدرس حالياً في جامعة ادلب، "لم أفكر بالعودة إلى حلب لأني لا استطيع العيش تحت حكم نظام الأسد القمعي"، مضيفاً "من المستحيل ألا يتم اعتقالي من اليوم الأول".

ويتذكر لؤي الذي كان يُدّرس مادتي الفيزياء واللغة الانكليزية في حلب، "أثناء خروجنا، كنت أشعر وكأن أحدهم انتزع شيئاً من قلبي (...) لم نخرج من الصدمة إلا بعد مرور نصف عام".

تركت ازدهار، المرأة العشرينية والوالدة لطفلين، خلفها جواز سفرها وصور شقيقها الذي قتل جراء العنف. وانتقلت على غرار الآلاف غيرها إلى ادلب.

وتقول ازدهار "في الفترة الأخيرة كنا نودع كل حجر في حلب وأملنا بالله كبير جداً بأن يأتي اليوم الذي نعود فيه".

ويتذكر المقاتل المعارض محمد عساف (22 عاماً) بدوره "كنا سعداء، نعيش في منازلنا حتى لو كان الأمل بتحرير كامل المدينة واحد في المئة فقط".

وحول آخر يوم له في حلب، يقول "لا نحب أن نتذكر ذلك اليوم، أنه يوم مأساوي".

التعليقات 0