أحمد داود اوغلو يترك ارثا صعبا في السياسة الخارجية
Read this story in English
يترك احمد داود اوغلو وزير الخارجية التركي السابق ورئيس الوزراء المقبل ارثا صعبا لمن سيخلفه بعد تبنيه سياسة جريئة لتوسيع نفوذ تركيا في البلدان التي كانت تحت سيطرة الامبراطورية العثمانية السابقة، عرضت البلاد للازمات في سوريا والعراق المجاورتين.
ويتهم داود اوغلو باتباع سياسات كان لها رد فعل كارثي ومن بينها دعم المسلحين الاسلاميين في سوريا الذين أنشأوا تنظيم "الدولة الاسلامي" المتطرف الذي يتبع اساليب وحشية.
ويدعو المعتدلون الى تعديل السياسة الخارجية التركية عندما يتولى رئيس الوزراء المنتهية ولايته رجب طيب اردوغان الرئاسة الخميس، بهدف اصلاح العلاقات مع الغرب والسعي لتحقيق اهداف اكثر واقعية في الشرق الاوسط.
الا ان هذا الامر غير مؤكد مطلقا في ظل اردوغان الذي قال ان فوزه في الانتخابات لم يكن من اجل تركيا فقط بل من اجل العالم الاسلامي باكمله من ساراييفو الى اسلام اباد.
ويرى اوزغور اونلوهيسارجيكلي مدير المركز الفكري صندوق مارشال الالماني في انقرة انه "من خلال اتباع هذا النهج عززت تركيا حضورها الدولي، لكنها وجدت نفسها كذلك طرفا في العديد من النزاعات في المنطقة".
ولم يعرف بعد من سيتولى منصب وزارة الخارجية خلفا لداود اوغلو، الا ان الانباء تشير الى انه ربما يكون رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان الموالي لاردوغان، وهو ما لا يبشر باي تغيير في السياسة الخارجية التركية.
ويتناقض مظهر داود اوغلو البسيط ووجهه البشوش مع سمعته كمنظر متشدد ومهندس السياسة الخارجية في تركيا طوال العقد الماضي.
ويتضح تفكير داود اوغلو في كتابه الصادر في 2001 "العمق الاستراتيجي" والذي يقول فيه ان على تركيا ان تعود الى ماضيها العثماني وتستغل موقعها الجيو-استراتيجي الفريد لاستعادة نفوذها في مناطق البلقان والقوفاز والشرق الاوسط.
الا ان النجاحات التي حققتها تركيا في البداية تلاشت بعد موجة ما يسمى بالربيع العربي اذ ان سياسة تركيا في التدخل في شؤون الدول الاخرى لم تجلب لها سوى المتاعب.
وتوجه التهم الى تركيا بتسليح جماعات متطرفة تقاتل النظام السوري على امل الاطاحة السريعة بنظام الرئيس السوري بشار الاسد.
يقول بيرم بالجي من مؤسسة كارنيغي انداومنت للسلام العالمي ان "تركيا التي لم تكن قادرة على اقناع حليفها السابق (الرئيس السوري بشار) الاسد بتطبيق الاصلاحات، اتخذت قرارا مجنونا وغير مسؤول بدعم الجهاديين بطرق مباشرة وغير مباشرة".
ويضيف ان علاقات تركيا الغامضة مع جماعات المسلحين الاسلاميين اسهمت في نمو تلك الجماعات في سوريا والعراق.
وفيما يعتبر احراجا شخصيا لداود اوغلو، يحتجز مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية الان 49 تركيا رهائن من بينهم دبلوماسيون واطفال بعد خطفهم من القنصلية التركية في الموصل في 12 حزيران.
واستغرب منتقدو داود اوغلو ترقيته الى منصب ارفع في الحكومة رغم اخفاقاته.
وقال كمال كيليجدار اوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض مخاطبا داود اوغلو "سلمت الرهائن لتنظيم الدولة الاسلامية بيدك (...) قمت بصياغة تنظيم الدولة الاسلامي في شكله الحالي". واضاف "من الغريب جدا ان يكافأ (داود اوغلو) على ذلك".
ووسط الانتقادات العالمية لتنظيم الدولة الاسلامية، التزمت انقرة الصمت لكي لا تعرض للخطر حياة رهائنها الذين يعتقد ان التنظيم يستخدمهم دروعا بشرية.
وذكر دبلوماسي غربي ان افتراضات داود اوغلو غير الواقعية حول قوة تركيا هي التي دفعت البلد ليصبح طرفا في المشكلة.
وقال الدبلوماسي الذي طلب عدم الكشف عن هويته "لا يمكن لتركيا اتباع سياسة خارجية طموحة في المنطقة بعد الان لان لديها الكثير من المخاوف الامنية حاليا. وليس بامكانها سوى اصلاح الاضرار الان ومحاولة تقليل الخسائر التي يمكن ان تنجم عن الازمات في الدول المجاورة لها".
وتدهورت علاقات تركيا الدول العضو في حلف شمال الاطلسي، مع اسرائيل الى درجة الانهيار وذلك في اعقاب انتقادات اردوغان اللاذعة للدولة العبرية.
وفي هذه الاثناء ادت حملة اردوغان على مواقع التواصل الاجتماعي وقمعه للاحتجاجات المناهضة للحكومة الى توتر علاقات بلاده مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي.
وقال اونلوهيسارجيكلي ان "تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي سيتطلب تحسين الديموقراطية وحرية التعبير وحكم القانون في تركيا".
من جانبه وصف خبير العلوم السياسية بهلول اوزكان وزير الخارجية السابق بانه "اسلامي يستغل الاسلام لتحقيق اهدافه للسياسة الخارجية".
وصرح الخبير الذي قام بتحليل المقالات الاكاديمية التي كتبها داود اوغلو في التسعينات، لصحيفة طرف ان "داود اوغلو يعتقد ان الدول التي انشئت في 1918 غير حقيقية (...) ويريد العودة بالزمن الى الوقت الذي ساد فيه النظام القائم على الوحدة الاسلامية".
ومع ذلك فان سياسات داود اوغلو تلقى شعبية كبيرة بين ناخبي حزب الحرية والعدالة المتدينين والذين يقولون انه رسخ مكانة بلادهم على الساحة الدولية.
وكتب ابراهيم كالين احد مستشاري اردوغان في صحيفة صباح الموالية للحكومة ان "داود اوغلو فتح فصلا جديدا في طريقة التفكير في السياسة الخارجية من خلال ترسيخ مكان تركيا كدولة مركزية مهمة".
واضاف ان وزير الخارجية السابق "رفض ان تكون تركيا محدودة فقط في علاقاتها مع الشرق فقط او مع الغرب فقط".


