نشأة القوة العظمى الأميركية في ظل الحرب العالمية الأولى
Read this story in English
قبل قرن مضى، رجح دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى في 6 نيسان 1917 كفة الحلفاء في نزاع كانت نتائجه غامضة، وخرجت منه قوة عظمى جديدة في العالم.
ومع إعلانها الحرب على ألمانيا، وضعت الولايات المتحدة قوتها الصناعية ويدها العاملة الوفيرة في خدمة قوات الحلفاء المتخبطة في حرب خنادق مرهقة.
وأوضحت أستاذة التاريخ في جامعة تشابمان بكاليفورنيا، غرب الولايات المتحدة، ان "الحرب العالمية الأولى شكلت منعطفا في الدور العالمي الجديد للولايات المتحدة، وافتتحت قرنا من انخراطها في الشأن الدولي".
مع اندلاع الحرب في آب 1914 اختار الأميركيون الحياد. لكن الرأي العام تغير مع إقدام غواصة ألمانية على إغراق سفينة الركاب البريطانية "لوسيتانا" بطوربيد مقابل السواحل الإيرلندية في أيار 1915، ما أدى ألى مقتل أكثر من 1200 راكبا بينهم 128 أميركيا.
آنذاك صرح الرئيس الأميركي السابق ثيودور روزفلت (1901-1909) الذي كان قطبا سياسيا مؤثرا "يبدو منافيا للمنطق ألا نتحرك في هذا الموضوع، فهذا واجب علينا لا من أجل البشرية فحسب، بل كذلك من أجل كرامتنا الوطنية".
- مؤيد للحلفاء ومحايد -رغم ميل التأييد الشعبي الأميركي نحو الحلفاء، أصرت أغلبية سكان هذا البلد على الحياد في الحرب.
وذهب وزير الخارجية وليامز جينينغز براين إلى حد الاستقالة في حزيران 1915 بسبب ما اعتبره نبرة الرئيس وودرو ويلسن (1913 - 1921) المفرطة العدائية تجاه المانيا، خصوصا بعد كشف تحقيق أميركي عن نقل "لوسيتانيا" أسلحة وذخائر مهربة.
غير ان آلاف الأميركيين تطوعوا للقتال من أجل قضية الحلفاء وانضموا إلى القوات الفرنسية والبريطانية والكندية. كما انخرط طيارون أميركيون في صفوف الطيران الفرنسي وشكلوا ما يعرف اليوم بتسمية "سرب لافاييت".
خشي البعض على غرار روزفلت ان تؤدي هزيمة الحلفاء إلى احتلال ألماني لأجزاء من كندا وأراض بريطانية وفرنسية في منطقة الكاريبي. وأكد روزفلت في مقالاته الصحافية التي كان لها وزن كبير ان الحياد سيضاعف فرص دخول الألمان إلى الأميركيتين.
وقال مايكل نايبرغ من الكلية الحربية الأميركية "كان لدى الأميركيين متسع من الوقت للتفكير في ما يريدون فعله، لكنهم عجزوا عن الاتفاق".
وفاز ويلسون الذي كافح للحفاظ على الحياد بولاية ثانية في تشرين الثاني/نوفمبر 1916 بعد حملة رفعت شعار "أبقانا خارج الحرب".
- برقية، غواصات، وثورة -أدت ثلاثة أحداث في مطلع 1917 إلى تغيير المعادلة.
ففي 16 كانون الثاني وجه وزير الخارجية الألماني برقية ألى سفيره في المكسيك طالبا منه اقتراح تحالف عسكري يجيز لهذا البلد استعادة أراض خسرتها في حرب سابقة مع الولايات المتحدة تشمل تكساس.
رصدت أجهزة الاستخبارات البريطانية البرقية وفكت شيفرتها قبل إطلاع واشنطن عليها، وأثار نشرها غضب الأميركيين.
لاحقا في الأول من شباط استأنفت ألمانيا حرب الغواصات المفتوحة فأغرقت سفنا تجارية من دون إنذار في المياه الدولية. واعتبر الألمان انهم إذا أغرقوا ما يكفي من السفن فسيحرمون بريطانيا من التموين بالاغذية والمعدات، ما سيرجع كفتهم في الحرب. بالتالي دمروا ثلاث سفن تجارية أميركية في الأيام التالية، ما ضاعف السخط ضدهم.
وكان الأميرال الألماني ادوار فون كابيل قال للجنة برلمانية ألمانية في 31 كانون الثاني/يناير ان الأميركيين "لن يأتوا لأن غوصاتنا ستدمرهم. إذا، من منظار عسكري، لا تعني الولايات المتحدة شيئا على الإطلاق".
أخيرا في 15 آذار/مارس، تخلى القيصر الروسي نيكولاي الثاني عن العرش وسط فوضى الثورة الروسية، وسلم السلطة للحكومة المؤقتة.
وقال نايبرغ ان نيكولاي كان "شخصية يكرهها الأميركيون جميعهم تقريبا (...) وبدا بالتالي، أقله حتى سيطرة البلاشفة على السلطة في تشرين الثاني/نوفمبر 1917، أن الحرب قد تنشئ ديموقراطية".
- "آمنا من أجل الديموقراطية" -أكد ويلسون ان حرب الغواصات الألمانية "حرب ضد البشرية"، في خطاب ألقاه في 2 نيسان/أبريل أمام الكونغرس مطالبا بالمشاركة في الحرب.
وقال "يجب بسط الأمن في العالم من أجل الديموقراطية" مشددا "لا أغراض أنانية لدينا، ولا نرغب بأي غزو أو سيطرة".
لكن الجيش الأميركي لم يكن مؤهلا للحرب، ولم يكن جنوده شاركوا منذ عقود في حرب كبرى. بالتالي سارع مدربون فرنسون وبريطانيون إلى الولايات المتحدة لتدريب قوة نمت بوتيرة جنونية، وأصبحت مع نهاية النزاع في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 تعد أكثر من أربعة ملايين جندي.
في بادرة جريئة قاد الجنرال الأميركي جون برشينغ في حزيران/يونيو 1917 فرقة من 14 ألف جندي في إنزال في فرنسا وتوالى في الأشهر التالية توافد جنود أميركيين قليلي الخبرة لكن متحمسين.
لاحقا كتب وينستون تشرشل "كان لهذا الدفق غير المتناهي من الشباب أثر هائل على الفرنسيين الذين كانوا يواجهون ضغوطا شديدة".
منيت حملة الغواصات الألمانية بفشل ذريع مع تسيير الحلفاء سفنهم التجارية في مجموعات بحماية سفن حربية. ولم يسقط أي جندي أميركي في هجمات الغواصات الألمانية.
وقالت كين "لا شك أن الولايات المتحدة قدمت مساهمة حيوية للنصر"، لكن "فوز الحلفاء في الحرب العالمية الأولى تم بجهد التحالف. فالولايات المتحدة ما كانت لتفوز من دون الفرنسيين او البريطانيين، والعكس أيضا صحيح".
عبر المحيط الأطلسي شهد الاقتصاد الأميركي ازدهارا نتيجة الانفاق من أجل الحرب، ليكتسب قوة مع نهايتها فاقت أيا من قوى ما قبل الحرب التي خرجت من النزاع منهارة. كما حرصت المصارف الأميركية على استرجاع القروض بقيمة 10 مليارات دولار التي وفرتها للحلفاء في أثناء الحرب.
لكن السلام أثار نقاشا جديدا. فهل تكمن الخدمة الفضلى للمصالح الاميركية في العمل عبر منظمات دولية، على غرار عصبة الأمم التي طرحها ويلسون في اقتراحه للسلام من 14 بندا في كانون الثاني 1918 ورفضها الكونغرس، أم الأجدى بالولايات المتحدة العمل بانفراد؟
و"هذا الجدل ما زال دائرا بيننا اليوم"، بحسب نايبرغ.