الكلاش قصة حب كردية من طرف واحد

يتربع بهجت ماجد على ارض مصنعه المؤلف من غرفة واحدة في مدينة حلبجة الكردية شمال العراق، محاطا بخيوط وقطع صغيرة من القماش يصنع منها حذاء "الكلاش" الكردي التقليدي.
يتناول ماجد (34 سنة) خيطا ابيض، يمرره بين اصبعين من اصابع قدمه اليمنى، قبل ان يديره حول "ماكينة" صغيرة هي عبارة عن جذع خشبي ضخم، ثم يديره مرات اخرى حتى يتحول الى كتلة سميكة تشكل جزءا من الطبقة السفلية للحذاء.
ويقول ماجد "اعمل في هذه المهنة منذ 15 سنة ولمدة ست ساعات يوميا".
ويضيف "لا اعتقد ان هناك مهنة اجمل من مهنتي. ان انكب على صنع رمز من الرموز الكردية الاصلية التقليدية، هو امر جميل جدا".
وعلى بعد امتار من محل ماجد، يحاول اكرام مصطفى (45 عاما) اقناع زبون بشراء زوج من "الكلاش" المصنوع يدويا والمؤلف من قطع صغيرة من القماش الابيض وجلد البقر والصوف والقطن.
ورغم ان مصطفى اختار مهنة بيع هذه الاحذية قبل 16 عاما مرغما بعدما وجد نفسه عاطلا عن العمل، الا ان عمله هذا اصبح بمثابة "حالة حب من طرف واحد"، بحسب ما يقول، موضحا "احب حذاء لا يدر علي الكثير من المال، ولا ابيعه في كل اشهر السنة".
ويتالف الجزء السفلي من "الكلاش" من نعل سميك مصنوع من جلد البقر خصوصا، بينما الجزء الاعلى عبارة عن قطع من القماش التي تخيطها بعناية فائقة ايادي نساء يسكن في حلبجة وفي مناطق قريبة منها.
ويعود اصل حذاء "الكلاش" الى منطقة هورامان وهي عبارة عن سلسلة جبال تقع بين شمال شرق العراق وغرب ايران، وتشتهر بطبيعتها الخلابة الغنية ببساتين الاشجار المثمرة.
ويتحدث اهالي المنطقة اللهجة الهورامية وهي احدى اللهجات الخمس للغة الكردية.
والى جانب الزراعة التي تعتمد عليها هذه المنطقة، يشكل "الكلاش" مصدر رزق اضافي، حيث يتراوح سعر الحذاء بين 40 و75 الف دينار (نحو 60 دولارا).
ويقول بائعو الحذاء في حلبجة ان تاريخ "الكلاش" يعود الى مرحلة زرادشت، الذي يختلف اساتذة التاريخ حول الفترة التي عاش فيها، حيث انه كان اول من بدا استخدام هذا النوع من الاحذية، بحسب هؤلاء.
وفيما يرتدي سكان حلبجة والمناطق المحيطة بها هذا الحذاء على معظم فترات العام، فان الشبان الاكراد غالبا ما يحفظونه للمناسبات، وخصوصا في عيد النوروز عند بداية فصل الربيع.
ولا ينحصر الاعجاب بهذا الحذاء المصنوع باتقان والذي يدوم لنحو سنتين، بالاكراد فقط.
ويقول ابو بكر (42 عاما) في محله في سوق حلبجة الرئيسي "نبيع هذا الحذاء بالجملة والمفرق الى المناطق الكردية طبعا، والى مناطق اخرى في العراق ايضا، الحذاء مريح جدا".
ويضيف ان لحذاء "الكلاش" الذي تتطلب صناعته نحو 40 ساعة "من يطلبه كهدية، لذا فاننا نتلقى على مدار العام طلبات من الخارج او من اناس في الداخل يرغبون بارسال هذه الاحذية كهدايا الى اشخاص يتواجدون خارج العراق".
ويتميز الحذاء ايضا بالوانه البيضاء والزرقاء، او البيضاء والحمراء، او الثلاثة معا، وبكونه يصنع في قالب واحد لا يميز بين القدمين اليمنى واليسرى.
ويقول ابو بكر بفخر وهو جالس خلف الة خشبية يطلق عليها صناع "الكلاش" اسم "ماكينة الرسول" من دون ان يعلموا السبب الحقيقي وراء هذا الاسم ان "كل تفاصيل هذا الحذاء تعود الى المنطقة الكردية فقط".
ويتابع "على عكس ما يتباهى به البعض هذه الايام من مواد مستوردة لا هوية كردية لنا فيها، فان +الكلاش+ كردي اصلي، وليس كردي مقلد".