عرض أزياء في بغداد يدغدغ ذكريات الزمن الجميل

Read this story in English
  • W460
  • W460
  • W460

يجلس ابو مصطفى وزوجته بكامل اناقتهما على كرسيين متلاصقين في قاعة أحد فنادق بغداد ويتابعان على وقع الموسيقى الشرقية عرض ازياء عراقيا مستوحى من العروض الغربية، هو الاول لهما منذ نحو ثلاثة عقود.

ويدغدغ العرض النادر الذي اقيم الجمعة ذكريات الزمن الجميل الذي طبع بغداد الماضي ويتيح لجيل من الشبان والشابات الذين حضروا بكامل اناقتهم وتسريحاتهم العصرية، اكتشاف جماليات تكتنزها بلادهم التي تشهد منذ اعوام طويلة تزايد التشدد الاجتماعي وعنفا يحصد المئات شهريا.

حضر الزوجان الى العرض الذي اقيم في قاعة فارهة ذات سقف مرتفع في فندق الرشيد، افخم فنادق العاصمة بعدما ألغيا كل التزاماتهما. وارتدى ابو مصطفى، وهو في العقد الرابع سترة سوداء ولف ذراعه حول كتف زوجته الشقراء التي ارتدت سترة خمرية اللون مطرزة بزهور زرقاء، وحملت هاتفها الخليوي ذي الغطاء الزهري المماثل للون طلاء اظافرها.

وقالت السيدة لوكالة فرانس برس "هي المرة الاولى نحضر فيها عرضا للازياء في بغداد منذ العام 1988، عندما كانت تجمعنا علاقة حب".

تضيف والابتسامة لا تفارق وجهها "أتينا لنرى (...) نحب عرض الازياء والتصاميم (...) تحضرنا قبل أسبوع، ألغينا مواعيد، وتفرغنا للعرض".

ويعقب ابو مصطفى "الوضع الامني اثر على كل شيء (...) الشعب العراقي يحب هذه الاشياء. هو شعب متطور، لكن يراد له فرصة فقط".

كان العرض الاخير الذي حضره الزوجان في العام الذي انتهت فيه حرب بين العراق وايران استمرت ثمانية اعوام الا انها لم تحل دون استمرار الحياة الاجتماعية والثقافية في بغداد التي كان مجتمعها حينها اكثر انفتاحا.

وسعى المصمم العراقي سنان كامل من خلال عرض الامس لنقل تجربة العروض العالمية، واختار له اسما غربيا هو "بغداد فاشن شو 2015".

وقال كامل (35 عاما) خلال الافتتاح "قبل ثلاثة اشهر، كان هذا حلما واليوم صار واقعا. اليوم ستكون انطلاقتنا"، في اشارة الى عزمه جعل هذا العرض محطة سنوية. واضاف ان العرض "محاولة ان نصل الى العالمية".

وامتلأت القاعة بنحو 500 شخص بينهم ازواج وشبان وشابات، القاسم المشترك بينهم هو الاناقة في اختيار الملابس والزينة وتسريحات الشعر العصرية. ولم تتخل غالبية الحاضرين عن هواتفهم الذكية لالتقاط الصور أكانت شخصية (سيلفي) او للعارضات، منذ دخولهم الفندق حتى انتهاء العرض.

واختالت العارضات وعددهن 16 على منصة على شكل حدوة حصان بزوايا حادة، احيطت بستة صفوف من الكراسي الحمراء المخملية. 

وقدم المصممون وهم شاب وخمس شابات، فساتين متعددة الالوان من الاحمر اللامع الى البنفسجي مرورا بالاسود المخملي والابيض. وقد زين بعضها بعقود من اللؤلؤ او ربطات على مستوى الصدر والكتفين. 

كما تضمن العرض فساتين سهرة مرصعة وملابس جاهزة مستوحاة من الكوفية الفلسطينية والشماغ العربي الاحمر والابيض.

خلف الكواليس، امتزج التوتر الناتج عن كون العرض هو التجربة الاولى للعديد من المشاركين، بمشاعر الفخر والفرح. واختلط قيام العارضات بوضع الماكياج والتعديلات الاخيرة على الملابس، مع التقاطهن الصور والبحث عن حلى ضائعة.

عند المدخل، تنفس ايمن سلطان حاجم الصعداء بعدما قدم مجموعته. وقال هذا المصمم الهاوي البالغ من العمر 30 عاما "حققت حلما"، مضيفا بفخر وابتسامة "اشعر انني منتصر، على نفسي وعلى المجتمع".

وكان حاجم وهو من مدينة البصرة (جنوب)، قال لفرانس برس خلال تدريب على العرض الاسبوع الماضي، انه يواجه "نظرة الناس لهذا الاختصاص، انه اختصاص نسائي" وانه يتحدى "مجتمعا كاملا".

وخلال العقود الماضية، كان معتادا في بغداد رؤية نساء يرتدين تنانير قصيرة وملابس اقرب الى الاسلوب الاوروبي المتحرر. الا ان هذه العادات تبدلت مع تزايد التشدد الديني ودخول البلاد في حروب ودوامات عنف، ومعاناتها من حصار اقتصادي خانق دام نحو 13 عاما.

وتواجه العارضات نظرة مريبة من المجتمع. وكانت بعض المشاركات ابلغن فرانس برس الاسبوع الماضي، ان غالبية اقاربهن، لا سيما الآباء، لا يعرفون بانهن سيشاركن في العرض. كما تخفي بعض عارضات الازياء (من غير الهاويات) طبيعة عملهن عن عائلاتهن.

وواجه العرض انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، لتنظيمه في وقت يواجه العراق اعمال عنف يومية، زادت حدتها منذ حزيران بعد سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية على مناطق واسعة من البلاد.

وانتقد البعض اقامة العرض في وقت تخوض القوات العراقية معارك ضارية لاستعادة بعض المناطق، احدثها معارك مدينة تكريت التي لا تبعد عن بغداد سوى نحو 100 كلم، والتي انطلقت في الثاني من آذار.

الا ان مشاركين في العرض رأوا فيه فرصة للتغلب على الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، واظهارا لجمال بغداد الذي يخفيه دمار الحروب.

وتقول زهراء العارضة ذات العينين الخضراوين "صحيح اننا نعيش ظروف حرب، لكن تجربة كهذه تخرجنا من جو الحروب والدمار".

وكان كامل اكد خلال الافتتاح ان العرض "هو اهم رسالة نوجهها للعالم بان العراق ما زال على قيد الحياة".

يتشارك هذا الرأي عبد القادر غسان (22 عاما)، وهو مدير مبيعات في شركة سياحية.

ويقول الشاب ذو التسريحة العصرية "هذا اكبر تحد لهذا الوضع"، قبل ان يشير بيده الى العارضات قائلا "هذه هي الحياة، هذه هي بغداد".

التعليقات 0