"من قتل مارلين؟"... رسم شبه بين اغتيال كينيدي وسياسيين لبنانيين لقوا المصير نفسه

تلتئم سيدتان في الجهد للخروج بعمل مسرحي يستعيد احدى أيقونات السينما العالمية. تنغمس ريّا حيدر ومروة خليل (الصورة) في ما يرتقي الى التحقيق للبحث في حادثة قتل (او ربما) اغتيال مارلين مونرو. بل تفعلان أكثر: تمطّان الفعل الجنائي الى البيئة اللبنانية طمعاً في إيجاد إجابات وافية عن التباسات الواقع المحلي.
تأتي حيدر وخليل من خلفية تمثيلية موزعة، ففي حين شاركت حيدر في افلام قصيرة عدة ("رسائل من الجزائر" لعزيز كبوش و"الرجل الأخير" لغسان سلهب)، مثّلت خليل في عروض مسرحية من توقيع روجيه عساف وبيتي توتل وجو قديح، الى ظهور في الفيلم الفرنسي "شرفة على البحر". أما في باكورتهما التأليفية "من قتل مارلين؟" فتطرحان سؤال الحالة الانثوية التي شكلتها مونرو لتنقّبا عن صنواتها في ثنايا المجتمع اللبناني المرتكز على فروق والتباسات لا تحصى. عن عمل مسرحي اول يطل على خشبة مسرح "مونو" في السابع من كانون الاول 2011 ويستمر الى الثامن عشر منه، حاورت "النهار" ريّا حيدر ومروة خليل.
تلعبان في "من قتل مارلين؟" أدوارا مختلفة تتوزع بين الإنتاج وكتابة النص والتمثيل. كيف السبيل الى التأليف المشترك من دون المخاطرة في جعل اسلوب احداكما يطغى على الآخر؟
ريّا حيدر: تكمن ميزة النص المسرحي في أنه يُكتب ليُقال وليس ليُقرأ، وهذا ما منحني حرية الكتابة من دون أن أقلق في شأن النمط المتبع بمعناه الدقيق. "من قتل مارلين؟" باكورة تجاربي ككاتبة. أعتقد أن ولادة النص تجري بوتيرة أسرع عندما يتولاها شخصان. يكفي أن يتفقا على ما يرميان إليه، ليصلا تدريجياً إلى الأسلوب والكلمة المناسبين. لقد كتبنا كممثلتين، من طريق قراءة النص بصوت عال، تم الأمر على نحو غريزي الى ابعد حد. كان الهذيان أرضيتنا المشتركة. كلما زاد الجنون، صار تفاهمنا أعمق.
مروة خليل: تملك كل منا عالمها وأفكارها، لذا حاولت التقرب من ريّا، والعكس صحيح، بهدف جعل الافكار تتلاقى. وهكذا كان. كانت المحاولة مسلية ومضحكة، وأظن أن كتابة تفتقر الى التسلية والضحك لا تصلح لشيء.
لطالما اختُزلت مارلين إنسانةً بالصورة الجسدية، غير انكما من خلال العمل تحاولان اعادة تركيب صورتها من خلال تسع لوحات وعبر شخوص يحوطونها ويقعون بين التخييل والواقع. لا تستبقيان مارلين سوى من خلال غنائها "عيد ميلاد سعيد يا سيدي الرئيس"، لماذا هذه اللحظة الايقونية من بين اخرى عدة في الذاكرة السينمائية؟
ريّا حيدر: اخترنا الأغنية الشهيرة "عيد ميلاد سعيد يا سيدي الرئيس" لبعدها السياسي. لا أريد أن أكشف كل شيء لكننا نحاول رسم شبه سري بين الرئيس كينيدي الذي تم اغتياله في سيارة وهو في ذروة مجده وبين سياسيين لبنانيين عدة لقوا حتفهم بهذه الطريقة.
مروة خليل: كانت أغنية "عيد ميلاد سعيد يا سيدي الرئيس" لحظة ضعف واذلال بالنسبة الى مارلين. لقد وصلت الى البيت الأبيض ثملة لتغنّي في تأتأة أمام الموجودين. شكلت هذه اللحظة بداية انزلاقها.
* في العمل المسرحي يتم نقل مارلين مونرو الى سياق لبناني من باب سيادة الإغتيالات في بلادنا ومن خلال البناء على الشائعة التي تحدثت عن موتها قتلاً. هل يكفي ذلك كذريعة لتلائم مارلين الاسقاطات اللبنانية؟
ريّا حيدر: إن وفاة مارلين المشبوهة واغتيال جون كينيدي والاغتيالات اللبنانية ليست المقارنات الوحيدة التي نقوم بها، إذ إنها ليست في الحقيقة سوى احد تفاصيل المسرحية. نتصور أن مارلين لبنانية واسمها نورما ترعرعت في كرم الزيتون، وانتخبت والدتها في صباها، ملكة جمال لبنان. سمح نقل مارلين إلى سياق لبناني بإجراء نقد للمجتمع والنساء الشبيهات بمارلين، ناهيك بنظرة الرجال إلى هذه الشريحة من النساء.
مروة خليل: ثمة موازاة بين الوضع السياسي اللبناني ومقتل مارلين مونرو بلا ريب. لكننا دفعنا هذا الوضع الى حال من التهكم ومنافاة العقل، الى مستوى العبث. في العمل المسرحي، نجد تفسيرات عدة لمقتل مارلين، تماما مثلما تملك كل فئة في لبنان تفسيرها للاغتيالات السياسية ومرتكبيها.
* عندما تزوجت مارلين مونرو الكاتب المسرحي آرثر ميلر، كتب الروائي نورمان مايلر ان اجمل جسد في الولايات المتحدة الاميركية تزوج من اجمل ذهن في الولايات المتحدة الاميركية. غير ان ثمة رغبة في "من قتل مارلين؟" في القول ان اكثر الاجساد اثارة للرغبات كانت سيدة مثقفة. لماذا هذا الاصرار؟
ريّا حيدر: لطالما اختزلت مارلين بـ"الانسانة البلاستيكية"، تلك التي تملك جسدا من دون روح. يحضر هذا المفهوم على نحو طاغ جداً في مجتمعنا الذكوري أيضاً حيث يتراءى انه ينبغي لجمال المرأة أو شهوانيتها ان يترافقا مع ذكاء متواضع ومع افتقارها للاحترام عملاً بمبدأ "كوني جميلة واصمتي". كان الأدب شغف مارلين وتحتوي مكتبتها الشخصية على أكثر من اربعمئة كتاب، في حين رأينا نادراً صوراً لممثلات من مجايلاتها يحملن الكتب. لو لم تقع مارلين ضحية مظهرها، لكانت أصبحت أديبة. أما بالنسبة الى ميلر، اجمل ذهن في الولايات المتحدة الاميركية، فأظنه استغلها كثيراً.
مروة خليل: كانت مارلين ضحية صورتها كرمز جنسي. كانت سيدة حساسة ويتّضح هذا الجانب في كتاب صدر هذه السنة بعنوان "شذرات" يستند الى نصوص لها. تزوجَت الكاتب آرثر ميلر كمحاولة لتغيير صورتها كرمز جنسي تحديدا.
من المثير للاهتمام إقحام "الخادمتان" لجان جينيه في بيئة مارلين مونرو، لكن كيف تم تخطي المفارقة المبدئية بين جينيه الذي فسرَت أعماله حياته في حين بدت أفلام مارلين على نقيض حياتها؟
ريّا حيدر: في الواقع نحن لا نتحدث عن عمل الممثلة وإنما عن حياتها، وهنا تصبح المقارنة بينهما محتملة. يأتي جان جينيه، كما مارلين مونرو، من وسط فقير وقد ترعرع الإثنان في دار للأيتام. لقد بنينا على واقعة اكتشاف مدبرة منزل مارلين لمستخدمتها جثة هامدة. من خلال نقل مارلين مونرو إلى بيروت، أردنا أن نتحدث عن قسوة مجتمعنا. إن الإشارة إلى جينيه هي في موقعها هنا تاليا.
مروة خليل: استوحينا النص المسرحي من نصوص عدة منها لجينيه وسترندبرغ وفيليب منيانه، واستعملنا اكثر من اقتباس كوسيلة لنصل الى ما نحاول التعبير عنه. اما في ما يعني الصلة مع جان جينيه ومسرحيته "الخادمتان" فهي ان الخادمة كانت اول شخص اكتشف وفاة مارلين وهذا ما منحنا الإطار الملائم لينطلق التحقيق.
المصدر: صحيفة "النهار"