لقاء تاريخي في كوبا بين البابا فرنسيس وبطريرك روسيا الأرثوذكسي

W460

انعقد في كوبا لقاء تاريخي هو الأول من نوعه منذ "الإنشقاق الكبير" في الكنيسة في العام 1054، بين رأس الكنيسة الكاثوليكية البابا فرنسيس ورأس الكنيسة الارثوذكسية الروسية البطريرك كيريل.

وفي مستهل اللقاء تعانق الرجلان وتحدثا لبضع دقائق مبتسمين أمام عدسات المصورين، فقال البابا فرنسيس "التقينا اخيرا، نحن اخوة. واضح انها إرادة الله"، واعتبر البطريرك كيريل ان "الامور أكثر وضوحاً الآن".

وعلى الأثر انعقدت خلوة بين البابا والبطريرك برفقة المترجمين والمسؤولين الذين أعدوا للقاء وسط تكتم تام.

وبعد لقاء استمر ساعتين، قال البابا فرنسيس والبطريرك كيريل، في إعلان مشترك: "ندعو المجتمع الدولي الى القيام بإجراءات عاجلة للحؤول دون استمرار طرد المسيحيين من الشرق الاوسط"، محذرين من ان "العنف في سوريا والعراق حصد آلاف الارواح وجعل ملايين الاشخاص مشردين ومن دون اية موارد".

وبالرغم من ان هذه ليست المرّة الأولى التي يُعقد فيها لقاء بين بابا كاثوليكي وبطريرك ارثوذكسي، إلا ان اللقاء بين الحبر الأعظم وبطريرك موسكو يكتسب اهمية استثنائية، فهو في الواقع حدث يكرّس نهاية قطيعة استمرت الف عام بين رأس الكنيسة الكاثوليكية، التي يتبعها 1.2 مليار مسيحي، ورئيس أكبر كنيسة ارثوذكسية يتبعها 165 مليون شخص، من أصل 250 مليون ارثوذكسي في العالم.

وسبق للفاتيكان أن أصلح علاقاته مع الكثير من الكنائس الارثوذكسية الاخرى خلال الفترة الماضية، وذلك منذ اللقاء التاريخي للبابا بولس السادس وبطريرك أثينا غوراس في القدس العام 1964، والذي تلته لقاءات على مستويات عدّة، وتم بالفعل عقد العديد من الاجتماعات والبيانات المشتركة بين الباباوات وبطريرك القسطنطينية المسكوني، وهو الزعيم الروحي للارثوذكس في العالم، لكن سلطاته المباشرة تطال 3.5 ملايين مؤمن فقط، بالرغم من منصبه المهم كبطريرك "يتقدم" رمزياً نظراءه البطاركة من الكنائس الارثوذكسية الاخرى.

ومن ابرز محطات التقارب بين الكنيستين الارثوذكسية والكاثوليكية، كان حضور البطريرك المسكوني برثلماوس الأول حفل تنصيب البابا فرنسيس في 19 آذار العام 2013.

وبرغم ذلك، فإنّ الاشكاليات الرئيسية ظلت عالقة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الارثوذكسية الروسية، لأسباب كثيرة، ربما ابرزها الاتهامات التي كانت توجهها الكنيسة الروسية لنظيرتها الكاثوليكية، في عهد البابا يوحنا بولس الثاني، بالسعي لتحويل الروس عن عقيدتهم الدينية في السنوات التي تلت سقوط الاتحاد السوفياتي.

وبدأت الخلافات في العام 1991، حين استغل أتباع الكنيسة الكاثوليكية اليونانية في اوكرانيا، التي يتبعها خمسة ملايين مسيحي، فرصة انهيار الاتحاد السوفياتي للاستيلاء على مئات الكنائس التابعة لبطريركية موسكو وعموم روسيا في الغرب الاوكراني.

كما اتهمت الكنيسة الروسية الفاتيكان بالقيام بأعمال تبشيرية في المناطق التابعة لها في الاتحاد السوفياتي السابق، ولا سيما في سيبيريا والمناطق الشرقية.

وبلغت الازمة بين الكنيستين ذروتها في العام 2002، حين رفعت الكنيسة الكاثوليكية درجة ادارتها الرسولية في روسيا الى درجة اسقفية، فرد بطريرك موسكو الكسي الثاني بتجميد العلاقات الثنائية، إلى ان توفي البابا يوحنا بولس الثاني ـ من دون ان يحقق حلمه بزيارة موسكو ـ وحل مكانه البابا بندكتوس السادس عشر، ما أعاد إحياء جهود التقارب الى أن أتت الاستقالة المفاجئة للبابا السابق في العام 2013.

ومع مجيء البابا فرنسيس، الأرجنتيني، استؤنفت جهود الحوار. ولكن، بسبب الارتياب حيال كنيسة كاثوليكية تعتبر "مرتدة" بحسب كثيرين من الارثوذكس الروس، والازمة الاوكرانية التي شارك فيها روم كاثوليك الى جانب كييف ضد الموالين لروسيا، تزايدت الأحقاد ضد الفاتيكان، بالرغم من ان الكرسي الرسولي تجنب إدانة سياسة بوتين في اوكرانيا، لا بل أكد، في احدى مقابلاته الصحافية، ان "روسيا يمكن ان تعطي كثيرا" للسلام في العالم.

ولكن يبدو ان اسباباً كثيرة عادت وأسهمت في نجاح اللقاء بين الرجلين، لخصتها "وكالة الانباء الكاثوليكية" بأربعة، اولها "الحاجة الى مكافحة الاضطهاد ضد المسيحيين" ورفع الصوت بشأن إيقاف المجازر التي تجري بحق المسيحيين حول العالم، وهو ما عبّر عنه رئيس قسم العلاقات الخارجية في الكنيسة الارثوذكسية حين قال ان الوضع السائد في الشرق الأوسط ومناطق أخرى في العالم يتطلب إجراءات طارئة وتعاوناً عن قرب بين الكنائس المسيحية.

والسبب الثاني، بحسب المسؤول في قسم العلاقات الخارجية في الكنيسة الارثوذكسية الروسية الأب غايتا، هو ان "العالم يواجه اليوم نوعاً من الليبرالية الأخلاقية في حين ان الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية متمسكتان بالقيم التقليدية ولذلك هما متحدتان معاً، ومعاً بإمكانهما أن تطلقا رسالة من الأخلاق الى العالم".

وأضافت "وكالة الانباء الكاثوليكية" سببين آخرين أسهما في اللقاء، الأول سياسي ويتعلق بالسياسة الخارجية للرئيس فلاديمير بوتين، خصوصاً ان الكنيسة الروسية الارثوذكسية تعد ظلاً للسياسة الخارجية الرسمية، وهي بهذا اللقاء التاريخي تبعث برسائل واضحة للخصوم والاصدقاء على حد سواء، والثاني كنسي بحت، ويتعلق بتطلع الكنيسة الارثوذكسية الى تنظيم سينودس لعموم الارثوذكس، ويحضره، شرفياً، البابا فرنسيس بصفته رأس الكنيسة الكاثوليكية.

التعليقات 0