سوق حمص القديمة تستعد لرفع اثار الحرب والعودة الى سابق عهدها

Read this story in English W460

في وسط مدينة حمص السورية، يجمع العمال الركام، يرفعون الحجارة وينظفون جدران سوداء اللون فقد حان الوقت لاعادة السوق القديمة والمهجورة حاليا لما كانت عليها قبل الحرب. 

وفي هذه المدينة التي اطلق عليها المعارضون لنظام الرئيس السوري بشار الاسد "عاصمة الثورة" اثر حركة الاحتجاج ضده في العام 2011، تعمل محافظة حمص مع برنامج الامم المتحدة الانمائي في مشروع يهدف الى ازالة اثار معارك دامت حوالى العامين عن سوق يعود عمرها الى مئات السنين.

وبالقرب من ساحة الساعة، التي كانت تعد خط تماس خلال معارك حمص (وسط) ينشغل العمال برفع الحجارة من امام احد مداخل السوق القديمة باشراف من فريق هندسي يتفقد بدوره ما تبقى من امدادات مياه وكهرباء.

انشأت سوق حمص القديمة في القرن الثالث عشر في ظل الدولة الايوبية ومؤسسها صلاح الدين الايوبي، وقد ازدهرت في وقت لاحق في ظل الحكم المملوكي حتى القرن الرابع عشر وصولا الى مرحلة السلطنة العثمانية التي انتهت في بدايات القرن العشرين.

وتعد حمص من اول المدن التي تحولت فيها حركة الاحتجاجات الى نزاع مسلح في العام 2012، واثر معارك عنيفة وحصار خانق للمدينة القديمة دام عامين، تمكن الجيش السوري في العام 2014 وفي اطار اتفاق مع الفصائل المعارضة من استعادة السيطرة على مجمل المدينة.

ويقول مصدر في محافظة حمص لوكالة فرانس برس "شكلت السوق خط تماس خلال المعارك اذ استخدمها المسلحون كنقطة عبور بين حي وآخر، لذلك لم تتعرض للكثير من الدمار، فقد طالتها الاشتباكات ولكن ليس القصف". 

لا تختلف سوق حمص القديمة عن سوقي دمشق وحلب الشهيرين، الا انها اصغر منهما حجما، وتتضمن 13 شارعا و982 محلا، وفق ما يقول المدير العام للآثار والمتاحف السورية مأمون عبد الكريم لوكالة فرانس برس.

ولا يزال الجزء الاكبر من السوق مهجورا، تدخله اشعة الشمس من الثقوب التي خلفها رصاص المعارك. وهو عبارة اليوم عن محال دون اقفال او اخرى احرقت نيران الحرب ابوابها، وقضبان حديدية تتدلى من السقف وسط جدران سوداء اللون واعشاب نمت بين الحجارة.

-"شانزليزيه حمص"-يقول ممثل الاتحاد الاوروبي سابقا في دمشق انيس نقرور المتحدر من حمص، "قبل اربعين عاما، كانت سوق حمص بمثابة شارع الشانزليزيه الفرنسي في مدينة صغيرة".

ويضيف "الجميع كان هنا، هي السوق التي كنت تجد فيها كل الحرفيين من الخشب والنحاس والذهب الى القماش والعطور".

يتذكر الدبلوماسي الفرنسي ايام الطفولة، ويقول "مساء واثناء العودة من المدرسة كنا نمر على السوق لاستنشاق الهواء في مكان مليء بمحال الحلويات الممتازة وعصائر الفاكهة اللذيذة".

اما اليوم فقد تغير حال هذه السوق التراثية، وتم حتى اليوم تأهيل شارع واحد فقط وقد اعيد فتح حوالى 14 متجرا فيها لا غير، وقد طلي سقفها باللون الازرق الفاتح واغلقت ثقوب الرصاص ورسم العلم السوري على ابواب المحال ومعظمها مغلق.

وفي احد الشوارع الجانبية، يتفقد المشرف العام على مشروع تأهيل السوق لدى برنامج الامم المتحدة الإنمائي غسان جانسيز الاعمال التي يقول انها ستحتاج الى نحو عامين.

ويوضح جانسيز ان عملية تأهيل وترميم السوق ستمر باربع مراحل هي "التنظيف، الارشفة، الترميم واخيرا اعادة البناء"، مشيرا الى ان "مرحلة ازالة الانقاض صعبة وخطرة فقد وجدنا متفجرات وعبوات ناسفة".

وتقدر كلفة المشروع، بحسب جانسيز، "مئات آلاف الدولارات لاعادة السوق الى سابق عهدها قبل حوالى مئة عام، فلن تكون مجرد سوق تجارية وشعبية بل ايضا ستصبح مركزا لاستقطاب السياح".

-كرنفال-يعمل في المشروع حاليا، وفق جانسيز، 70 شخصا بين عامل ومهندس وطالب في كلية الهندسية.

ويتضمن المشروع، بحسب ما نقلت وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) عن مدير برنامج الامم المتحدة الانمائي طارق سفر، "تركيب اربعة أبواب رئيسية لمداخل المنطقة المستهدفة وإعادة تأهيل نحو 200 محل (...) مع الحفاظ على الطبيعة التراثية للمنطقة (...) وتوثيق كل العناصر والمفردات التراثية للسوق".

وقد عاد عدد محدود من التجار الى محالهم التي جرى ترميمها حتى الآن، من بينهم عبد السلام السلقيني صاحب احد متاجر الشوكولا.

ويقول السلقيني وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة "استقبلت اليوم الزبون رقم مئتين".

ويضيف "عدت للعمل بشكل فعلي في نيسان الماضي، لا استطيع ان اصف سعادتي وانا ارى زبائني القدامى من بيروت ودمشق وطرطوس يأتون لشراء الشوكولا".

تدخل ام مأمون الى المحل ويستقبلها السلقيني بحرارة فهي واحدة من هؤلاء الزبائن القدامى. 

وتروي ام مأمون "اعتدت على المجيء في كل عيد من ريف حمص الى المدينة لشراء الشوكولا، لكني توقفت عن ذلك بسبب الحرب"، مضيفة "سمعت ان السوق يفتح ابوابه مجددا وجئت لاتأكد بنفسي".

قبل الحرب، كانت السوق تتحول الى "كرنفال" على حد قول السلقيني، مضيفا "كنا نصل الليل بالنهار (...) وتمتلئ السوق بالاطفال والالعاب ويملأ صوت التجار وهم يروجون لبضائعهم".

يرى مأمون عبد الكريم في اعادة تأهيل السوق القديم "تحد" خاصة انه يريد ان يعيد سقف السوق الى ما كان عليه ايام الحكم العثماني.

ويخلص الى القول "انه مشروع مهم جدا ليعكس صورة مدينة كان لها دور بارز في الحقبة الرومانية وصولا الى السلطنة العثمانية".

التعليقات 0