دمشق تعيش يوميات النزاع..المغادرة صباحا والعودة صباحا "انتصار يومي على الموت"

Read this story in English W460

لم يباغت دوي ثلاثة انفجارات قريبة اصحاب متاجر في حي العفيف وسط دمشق، ومن دون ان يرف لهم جفن، واصلوا حديثهم امام محالهم معبرين عن استمتاعهم بنضارة الطقس في هذه الليلة.

وعلى الطريق السريع في جنوب العاصمة، يعبر الالاف من سائقي السيارات وهم يتجاهلون ثلاث دبابات تصوب مدافعها باتجاه حي نهر عيشة الشعبي الذي تحمل منازله وطرقاته ندبات معركة شرسة.

وفي ضاحية جرمانا في جنوب شرق دمشق التي تقطنها غالبية درزية ومسيحية، ينصب عدد من الشبان المسلحين ببنادق الكلاشينكوف والمنتمين الى "اللجان الشعبية" الحواجز الثابتة والمتنقلة ويتحققون من هويات المارة ويفتشون السيارات، في اجراءات لم تمنع انفجار سيارة مفخخة خلال جنازة.

واستقر النزاع في دمشق منذ تموز وبعدما بقيت العاصمة بمناى عن العنف لوقت طويل، وقد حاول المقاتلون المناهضون للنظام السيطرة عليها قبل ان يقوم الجيش بصدهم دون ان يتمكن من القضاء عليهم كليا بسبب الحدود المتداخلة والمتشابكة بين المدينة وضواحيها، معقل الكثير من المنشقين.

وتدفع المعارك والنزوح السكاني والدمار والبطالة والتضخم اهالي دمشق الى الكابة حيث انه لم يسبق لهم ان رأوا مدينتهم تغرق بالفوضى.

احمد، الموظف في مطبعة والذي يسكن حي برزة الدمشقي، يتصل بزوجته كل مساء لمعرفة الطريق الواجب اتخاذه للعودة الى المنزل تفاديا للمرور في منطقة اشتباكات، الا انه غالبا ما يتوقف رغم ذلك عند حاجز يديره مسلحون يرتدون زيا عسكريا لا يحسم ان كانوا من المنشقين ام من العناصر الموالية.

ويقول لوكالة فرانس برس "هم متوترون جدا ويمكنهم قتلك بسبب اي اجابة خاطئة او لمجرد ان شكلك لم يعجبهم"، مشيرا الى ان هؤلاء المسلحين سبق ان قتلوا شابا يبلغ من العمر 24 عاما "دون ان نعرف لماذا".

ويضيف احمد الاب لولدين "يجب ان تكون لطيفا معهم عندما يعيدون اليك اوراقك وتقول لهم +الله يعطيك العافية+، رغم ان ذلك هو اخر شيء اتمناه لان الله لو امدهم بالقوة فسيصرفونها في ساحة الاقتتال بالقرب من منزلي ولن اتمكن عندها من النوم".

من جهته يوضح ميشال الذي يعمل في احد المطاعم "اقول لنفسي كل يوم عند مغادرتي المنزل صباحا انني اذا عدت مساء فسيكون هذا يوم انتصرت فيه على الموت"، مضيفا "في هذه الايام، حياتنا لا تساوي اكثر من ثلاثين ليرة (0,5 دولار) اي ما يعادل ثمن طلقة كلاشنيكوف".

ويعتقد هذا الشاب المسيحي الثلاثيني الذي ظن ان الرئيس السوري بشار الاسد سيسحق الانتفاضة المسلحة بسرعة، انه من المهم ايجاد حل يتم التفاوض عليه.

ويشير الى انه "عندما اقول للموالين او للمعارضين بانني لست مع هذا الطرف او مع ذاك، فان كلا منهما لا يستمع الا الى الجزء الاول من كلامي معتقدا باني عدوه".

ويؤكد ميشال وهو اب لطفل في عامه الاول "يجب على الافرقاء الجلوس على طاولة والتحدث دون شروط، وإلا فإن سفك الدماء سيستمر"، مشددا على انه سيغادر البلاد ان لم يتم ايجاد حل للنزاع قبل فصل الخريف المقبل.

وبدأت الحركة الاحتجاجية المطالبة باسقاط نظام بشار الاسد بشكل سلمي قبل اكثر من 17 شهرا، الا انها تعسكرت تدريجيا في مواجهة قمع السلطات، حتى تحولت الى معارضة مسلحة.

وقتل منذ بداية النزاع في منتصف اذار 2011 اكثر من 25 الف شخص وفقا لارقام المرصد السوري لحقوق الانسان.

من جهته يؤكد محمد (52 عاما) وهو مدير مصنع في ضاحية جنوب شرق دمشق انه لم يعد بامكانه الذهاب بانتظام الى عمله بسبب اغلاق الطرق.

ويقول محمد السني المؤيد للمعارضة "لطالما كنت مناهضا للنظام، الا ان استمرار الحرب انتحار جماعي".

وفي حي السنينية الواقع في مدينة دمشق القديمة، يشعر حتى نحاتي شاهدات القبور بالضيق.

ويقول طارق ساميني (45 عام) وهو ينحت كلمة "شهيد" على شاهدة احد الجنود الذين قتلوا في حمص (وسط) "لا احد لديه القدرة على التفكير في شراء واحدة. فمع سقوط المزيد من القتلى كل يوم، لا يبحث الناس سوى عن حفرة متبقية في مقبرة".

وفي منزله الواقع في حي ابو رمانة الراقي وسط دمشق، يرى دبلوماسي سوري متقاعد ان اعدادا كبيرة من القتلى ستسقط قبل ان يلقي طرفا النزاع السلاح.

ويقرا من وحي الحديث بيتا من قصيدة "حالة حصار" للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش "انا او هو". هكذا تبدأ الحرب. لكنها تنتهي بلقاء حرج "انا وهو".

التعليقات 0